الفلسفة اليونانية: فيتاغورس والمدرسة الفيتاغورية
مرحبا بكم في عالم الفلسفة،
تعرفنا في الفيديو السابق على الفلاسفة الطبيعيين،
واليوم سنتعرف على الفلسفة الفيتاغورية،
وذلك نسبة إلى فيتاغورس.
وهو فيلسوف يوناني المتن الرشدي،
وهي جزيرة في ساحل آسيا الصغرى.
وعندما بلغ سن الإربعين هاجر إلى كروتونا في جنوب إيطاليا فرارا من الطاغية بوليكراتيس ،
ونحن لا نعرف الكثير من الأمور اليقينية عن حياة فيتاغورس،
حيث أن الروايات التي بلغتنا مليئة بالقصص الخيالية والأساطير والمعجزات،
حتى أنه وضع في جنس متوسط بين الآلهة والبشر ،
حيث اعتبره البعض ابن الإله أبوللو.
وقيل أنه قادر على التواجد بعدة أماكن في نفس الوقت،
وكذلك أن له فخذا من ذهب،
وأنه نزل إلى الجحيم ثم صعد منه وغيرها من القصص والأساطير...
ولكن من المعروف أنه أسس بكروتونيا جماعة ذات طابع ديني،
هدفها تطهير النفس للوصول إلى الحياة السعيدة بعد الموت،
ولهذه الجماعة شروطها الخاصة وقواعدها ومحرماتها
(مثل حظر أكل الفاصولياء وأنواع بعينها من اللحوم، عدم التكلم في الظلام وغيرها)،
وكان للمدرسة الفيتاغورية نظام من الأخوة، كأنها دير أو معبد،
فجميع الطلبة يرتدون زيا واحدًا هو الملابس البيضاء،
ويعيشون معيشة واحدة هي حياة الزهد والتقشف والبساطة،
وقد تميزت هذه المدرسة بكونها من أول مدرسة يونانية ستفتح أبوابها للنساء
وتسمح لهن بالمشاركة في الإنشطة الفلسفية وبالتفكير والمناقشة وإعمال العقل،
ففي المدرسة الفيتاغورية وقفت المرأة على قدم المساواة مع الرجل.
وعليه فقد كانت النساء الفيتاغوريات مثقفات ولهن اهتمامات فكرية وأدبية بارزة،
ابتداءا من ثيانو زوجة فيتاغورس التي أدارت الجماعة بعد وفاته مع بناتها أرينيوت ومييا ودامو
وقد نخصص حلقة للحديث عن المرأة الفيلسوفة في القادم من الأيام.
ورغم الطابع الديني الذي لاحظناه في الجماعة فقد كانت مع ذلك تتميز بكونها ذات نشاط علمي،
وعلى الأخص رياضي،
وقد مدت نشاطها من الرياضيات إلى الفلسفة،
وكانت الرياضيات هي أساس الفلسفة الفيتاغورية،
حيث اعتقد الفيتاغوريون أن عناصر الأعداد هي عناصر الأشياء وأن العالم عبارة عن أعداد،
فالفيتاغوريون يرون " أن العالم أشبه بعالم الأعداد منه بالماء أو التراب أو النار "
وسيسهل علينا فهم تصورهم هذا إذا علمنا أن الأعداد في ذلك الوقت كانت عبارة عن أشكال هندسية،
فالعدد واحد هو النقطة، والإثنان قطعة، والثلاثة هو المثلث، والأربعة مربع وهكذا...
فقولهم أن العالم عدد يعني أن العالم في الحقيقة عبارة عن أشكال هندسية،
وأن هذه الطبيعة الهندسية أهم من الماء والعواء،
فمؤدى هذه النظرية هو عدم المبالاة بالبحث عن نوع المادة الأولى لأن هذا الأمر لا أهمية له الآن،
وهذا يبين أهمية المرحلة الفيتاغورية في تطور العلم اليوناني
نحو شكل عقلي فيه قدر أكبر من التجريد.
هذا وكان الفيتاغوريون يرون في العدد واحد رمزا للثبات والدوام في الكون،
ومن الواحد يأتي كل شيء طيب في هذا العالم،
لأن الواحد هو أصل الأعداد الفردية.
أما العدد إثنان فهو رمز للنقص في الكون،
فالعالم لابد له من تناغم الأضداد،
فلا يمكن أن نفسره بوجود الخير وحده، أي الواحد، بل لابد من وجود عنصر الشر الذي يقاوم نشاط الخير.
ويقال إن فيتاغورس استمد هذه الثنائية الكونية من ثنائية المجوس،
ويقول أرسطو أن الفيتاغوريين - لهذا السبب - وضعوا قائمة من الأضداد عددها عشرة أضداد على النحو التالي :
1- المحدود واللامحدود، 2- الفردي والزوجي، 3- الواحد والكثير، 4- اليمين واليسار،
5- الذكر والأنثى، 6- السكون والحركة، 7- المستقيم والمنحني، 8- النور والظلام، 9- الخير والشر، 10- المربع والمستطيل
(لماذا لم يختر الدائرة مثلا ؟) ،
والملاحظ أنها عشرة أضداد لأن العدد عشرة أكمل الأعداد،
و مع المزيد من التطوير صارت نظرية العدد عند الفيتاغوريين نظرية متعسفة
حيث أنهم مثلا يقولون أن الرقم6 (
أو5 لاختلاف الفيتاغوريين فيما بينهم حول العدد الذي يتطابق مع شيء ما، راجع مثلا الفلسفة اليونانية حتى أفلاطون، د. عزت قرني ) رمز للزواج،
والرقم 7 هو جوهر " الوقت المناسب "
و4 رمز العدالة
(على الأقل هذه النقطة مفهومة لأن العدد أربعة هو المربع والمربع معروف بتساوي أضلاعه وزواياه ...)،
أما العقل فيمثله الرقم 1 لأن هذا العدد ثابت باعتباره الوحدة الأولى،
أما الظن فيمثله الرقم واحد حيث أنه يقبل القسمة !...وهكذا.
وبالإضافة إلى كون الفيتاغورية مذهب علمي في الرياضيات ومذهب فلسفي،
فهي مذهب أخلاقي يقوم على التصوف العقلي،
ومن القواعد الأخلاقية التي كان الفيتاغوريون يملونها على أتباعهم: 1.
احترام الآلهة والخضوع لإرادتهم. 2.
البقاء في المركز الذي نحن فيه في الحياة وعدم تركه. 3.
الولاء للأصدقاء وكل شيء مشترك بينهم. 4.
الاعتدال والبساطة في استخدام خيرات الدنيا.
أخيرا، نشير إلى أن الفيتاغورية جماعة سياسية ايضا،
إذ امتلكت ناصية الحكم في كروتونيا لعدة سنوات
وفي مدن غيرها، وكانوا يمثلون اتجاها مضادا للديموقراطية،
غير أن ثورة قامت ضدهم وأحرقت المنزل الذي كانوا يجتمعون فيه، فأبادتهم عن آخرهم،
إلا اثنين هربا من المدينة، وعن طريقهما بقي المذهب قائمًا حتى وقت متأخر من التاريخ.
نكتفي بهذا القدر ونذكر مرة أخرى أن هذا مجرد تقديم بسيط للفلسفة الفيتاغورية،
وقد وضعت مجموعة من الروابط لمن يريد التعمق أكثر،
ستجدونها في التعريف بالفيديو. تحياتي لكم جميعا ودمتم ودمنا للحكمة أصدقاء.
