" أنا حرة " (3)
وينسحب بهدوءٍ ليتركك مع نفسك.
ضعفٌ في منتهى القوَّة
يحوّلك في نظر نفسك من مظلومٍ إلى ظالمٍ،
ومن متأهبٍ للقتال إلى معتذرٍ له تسترضيه.
هذا بين الرِّجال.
فما بالكم بالمرأة الحكيمة الَّتي تعلم أنَّ أقوى ما فيها ضعفها،
فتمسك بيد زوجها، وتتودَّد له،
فتكسرُ حِدَّته، وتَكسرُ كبرياءه، وتستحوذُ عليه بضعفها وودِّها وأُنوثتها.
أمَّا إذا عاد الرَّجل من ضغوطات الحياة، وأعباء العمل الَّذي ينفق به على بيته،
ثمَّ هو يرى في البيت امرأةً ندًا تريد أن تقارعه، أو تجادله في كلِّ أمرٍ،
فإنَّ الودَّ يغيب وتِحلُّ الضَّغائن.
هذه قِصَّة القِوامة.
عندما تُعْرض الصَّورة الكاملة،
فإنَّ المرأة تفْهمُ جيدًا قول نبيِّها -صلى الله عليه وسلَّم-:
«والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه،
لا تؤدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها حتى تؤدِّيَ حقَّ زوجِها» (حسّنه الألباني، إرواء الغليل).
رجلٌ يحميها، يُؤويها، يكفيها،
يحفظ كرامتها،
يستحق منها ذلك.
بل، وهي تطلب قِوامته فطرةً، ووجدانًا.
عندما تضع التَّشريع الإسلاميَّ في سياقه الصَّحيح،
فإنَّ كثيرًا من النُّفوس النَّافرة تطمئن،
وما كان شبهةً يصبح مفخرةً،
وتدرك المسلمة أنَّها وُلدت وفي فمها هذه الملعقة من ذهبٍ فما أحسَّت بقيمتها؛
لأنَّها لم ترَ القصَّة الكاملة البائسة لمن فقدن نعمة القِوامة،
-والَّتي تكلمنا عنها في "تحرير المرأة الغربية"-.
القِوامة الشّرعيّة -كما فرضها الله-
هي حلمٌ للمرأة الغربيّة، وللمرأة الشَّرقيّة غير المسلمة،
والَّتي كثيرًا ما تُنْفق على السَّكن مُنَاصفةً مع زوجها، أو (بالإنجليزية) صديقها الحميم.
وقد تُرْمى في الشَّارع إذا لم تُنْفق.
ختامًا،
راسلتنا فتاةٌ مسلمةٌ ذهبت إلى هولندا -بلد الزُّهور-؛ لتتابع الدِّراسات العليا.
لكن تراكمت عليها الشُّبهات،
فراسلت زوجة أحد أصدقائي تقول لها:
أنَّها فقدت قناعتها بالإسلام، وانعدمت محبَّتها لله.
ومرَّ على ذلك شهورٌ.
ثمَّ أرسلت إلينا -من أيامٍ- رسالةً طويلةً
تُعبِّر عن عودتها لربِّها بعد متابعتها لـ (رحلة اليقين)، و(سلسلة المرأة)،
وكذلك لـ"سلسلة فقه النَّفس" لأخي الدُّكتور عبد الرحمن ذاكر.
وكان ممَّا قالته الأخت في رسالتها:
" أنا أحبُّ الله؛ لأنَّه خلقني مسلمةً،
لأنَّه أعطاني أهلًا يحبُّونني، أبًا وأُمًّا وإخوةً يخافون عليَّ، ويسألون عن أقل تفاصيل حياتي.
سلسلتك -يا دكتور إياد- عن المرأة، رأيت كلَّ كلمةٍ منها حرفيًا. رأيتها بعيني.
في آخر أربعة أشهرٍ لي بهولندا، سكنْتُ بسكنٍ جامعيٍّ مع بناتٍ أوروبياتٍ،
فرأيت العَجَب من جانب حياتهنَّ الأسود.
وقَدَّرت قيمة العفاف، والطَّهارة الَّتي عند المسلمات،
وعظيم نعمة الأهل: الأب، والأخ، والسند، الَّذين يفكرون بي وأنا على بُعْد قاراتٍ.
بينما الأوروبيَّة يسكن بجانبها أبوها، ولا ينظر في وجهها، ولا يسأل عنها.
والله إنني حزينةٌ جدًا على وضع الأوروبيَّات، ومشفقةٌ عليهنَّ.
كان لي صديقةٌ هولنديَّةٌ،
أخبرتني بأنَّها مستعجلةً في الحصول على عملٍ؛ لأنَّ أهلها متضايقون من وجودها في بيتهم.
وأخرى ألمانيَّة تخاصمت مع (بالإنجليزية) صديقها الحميم، فطردها من بيته.
وأنا الآن، بعد أن كنت نسويَّةً حتى النُّخاع،
أصبحت أُقَدِّر نعمة أن يكون لي أهلٌ أسكن بينهم معززَةً مكرمَةً،
ويُحسّون بالمسؤولية تجاهي".
طبعًا، بعيدًا -يا كرام- عن خطأ أن تُترك الفتاة في بلدٍ أوروبيٍّ وحدها،
لكنَّ الشَّاهد:
أنَّها أحسَّت بقيمة القِوامة بعد أن رأت غيابها في بلد الزُّهور.
هذه الأخت -الَّتي كانت ساخطةً على الشَّريعة- خَتَمت رسالتها بسؤالها:
"ماذا أفعل حتى يسامحني ربِّي على قلة أدبي معه حين كنت أعترضُ عليه؟
استغفرته -سبحانه- وأظنُّ أنَّه يحبُّني؛ لأنَّه هداني بعد ضياعٍ.
لكن انصحوني بأيِّ شيءٍ أعمله حتى يرّضى عني"
فنقول للأخت الكريمة:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّـهِ ۚ
إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر :53].
فنسأل الله أن يكون نشر قصَّتها، وأثر ذلك، سببًا لرضاه عنها.
اللهمَّ حَبِّب إلينا الإيمان، وزيّنه في قلوبنا،
وكرِّه إلينا الكفر، والفسوق، والعصيان،
واجعلنا من الرَّاشدين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله.